سورة الشعراء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)}
{وَتِلْكَ} أي التربية المفهومة من قوله: {أَلَمْ نُرَبّكَ} [الشعراء: 18] إلخ {نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا} أي تنعم بها {عَلَىَّ} فهو من باب الحذف والإيصال، وتمن من المنة عنى الإنعام والمضارع لاستحضار الصورة، وجوز أن يكون من المن والمعنى تلك نعمة تعدها علي فليس هناك حذف وإيصال، والمضارع قيل على ظاهره من الاستقبال وفيه منع ظاهر {أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إسراءيل} أي ذللتهم واتخذتهم عبيدًا يقال: عبدت الرجل وأعبدته إذا اتخذته عبدًا. قال الشاعر:
علام يعبدني قومي وقد كثرت *** فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان
وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة حالية أو مفسرة أو على أنه بدل من {تِلْكَ} أو نعمة أو عطف أو منصوب على أنه بدل من الهاء في {تَمُنُّهَا} أو مجرور بتقدير الباء السببية أو اللام على أحد القولين في محل أن وما بعدها بعد حذف الجار، والقول الآخر أن محله النصب، وحاصل الرد إن ما ذكرت نعمة ظاهرًا وهي في الحقيقة نقمة حيث كانت بسبب إذلال قومي وقصدك إياهم بذبح أبنائهم ولولا ذلك لم أحصل بين يديك ولم أكن في معهد تربيتك، وقيل: {تِلْكَ} إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بتفسيرها و{أَنْ عَبَّدتَّ} عطف بيان لها، والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي، وحاصل الرد إنكار ما امتن به أيضًا. ويريد حمل الكلام على رد كون ذلك نعمة في الحقيقة قراءة الضحاك «وتلك نعمة مالك أن تمنها علي»، وإلى ذلك ذهب قتادة وكذا الأخفش. والفراء إلا أنهما قالا بتقدير همزة الاستفهام للإنكار بعد الواو، والأصل وأتلك نعمة الخ، وأبى بعض النحاة حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع. وقال أبو حيان: الظاهر أن هذا الكلام إقرار منه عليه السلام بنعمة فرعون كأنه يقال: وتربيتك إياي نعمة على من حيث أنك عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولدًا لكن لا يدفع ذلك رسالتي. وإلى هذا التأويل ذهب السدي. والطبري ولس بذاك.
وأيًا ما كان فالآية ظاهرة في أن كفر الكافر لا يبطل نعمته. وذهب بعضهم أن الكفر يبطل النعمة لئلا يجتمع استحقاق المدح واستحقاق الذم، وفيه أنه لا ضير في ذلك لاختلاف جهتي الاستحقاقين. هذا وذهب الزمخشري إلى أن {إِذَا} في قوله تعالى: {فَعَلْتُهَا إِذًا} [الشعراء: 20] جواب وجزاء بين وجه كون الكلام جزاء بقوله: قول: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ} [الشعراء: 19] فيه معنى أنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى عليه السلام: نعم فعلتها مجازيًا لك تسليمًا لقوله كان نعمته عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء.
واعترض بأن هذا لا يلائم قوله: {وَأَنَاْ مِنَ الضالين} [الشعراء: 20] لأنه يدل على أنه اعترف بأنه فعل ذلك جاهلًا أو ناسيًا. وفي الكشف تحقيق ما ذكره الزمخشري أن الترتيب الذي هو معنى الشرط والجزاء حاصل ولما كانا ماضيين كان ذلك تقديريًا كأنه قال: إن كان ذلك كفرانًا بنعمتك فقد فعلته جزاء، ولكن الوصف أي كونه كفرانًا غير مسلم. وأمده بقوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا} وفيه القول بالموجب أيضًا. وقوله: {وَأَنَاْ مِنَ الضالين} [الشعراء: 20] على هذا كأنه اعتذار ثان أي كنت تستحق ذلك عندي وأيضًا كنت من الحائدين عن منهج الصواب لا في اعتقاد استحقاق مكافأة صنيعك ثل تلك ولكن في الإقدام قبل الإذن من الملك العلام، والحاصل أنه نسبه إلى مقابلة الإحسان بالإساءة وقررها بكونه كافرًا، فأجاب عليه السلام بأن المقابلة حاصلة ولكن أين الإحسان وما كنت كافرًا بك فإنه عين الهدى بل ضالًا في الإقدام على الفعل وما كنت كافرًا لنعمة منعم أصلًا ولكن كنت فاعلًا لذلك خطأ، ومنه ظهر أن قوله: {وَأَنَاْ مِنَ الضالين} [الشعراء: 20] لا ينافي تقرير الزمخشري بل يؤيده اه.
ولا يخفى أن الأوفق بحديث الجزاء أن يكون المراد بقوله: فعلتها وأنا من الضالين فعلتها مقدمًا عليها من غير مبالاة على أن الضلال عنى الجهل المفسر بالإقدام من غير مبالاة لكن التزام كون {إِذَا} هنا للجواب والجزاء التزام ما لا يلزم فإن الصحيح الذي قال به الأكثرون أنها قد تتمحض للجواب، وفي البحر أنهم حملوا ما في هذه الآية على ذلك، وتوجيه كونها للجزاء فيها بما ذكر لا يخلو عن تكلف، والأظهر عندي معنى ما آثره بعض أفاضل المحققين من أنها ظرف مقطوع عن الإضافة ولا أرى فيه ما يقال سوى أنه معنى لم يذكره أكثر علماء العربية. وهم لم يحيطوا بكل شيء علمًا، وإن أبيت هذا فهي للجواب فقط، ومن العجيب قول ابن عطية: إنها هنا صلة في الكلام ثم قوله: وكأنها عنى حينئذٍ ولو اكتفى به على أنه تفسير معنى لكان له وجه فتأمل، والله تعالى أعلم.


{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)}
{قَالَ فِرْعَوْنُ} مستفهمًا عن المرسل سبحانه: {وَمَا رَبُّ العالمين} وتحقيق ذلك على ما قال العلامة الطيبي. أنه عز وجل لما أمرهما بقوله سبحانه: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} [الشعراء: 16] {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل} [الشعراء: 17] فلابد أن يكونا ممتثلين مؤديين لتلك الرسالة بعينها عند اللعين فلما أديت عنده اعترض أولًا بقوله: {أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] إلى آخره وثانيًا بقوله: {وَمَا رَبُّ العالمين} ولذلك جىء بالواو العاطفة وكرر قال للطول فكأنه قال: أأنت الرسول وما رب العالمين؟ وقال الزمخشري: إن اللعين لما قال له بوابه: إن هاهنا من يزعم أنه رسول رب العالمين قال له عند دخوله: وما رب العالمين؟ واعترض بأنه نظم مختل لسبق المقاولة بينهم كما أشار إليه هو في سابق كلامه. وانتصر له صاحب الكشف فقال: أراد أنه تعالى ذكر مرة {فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ فَأَرْسِلْ} [طه: 47] وأخرى {فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} [الشعراء: 16] والقصة واحدة والمجلس واحد فحمله على أن الثاني ما أداه البواب من لسانه عليه السلام والأول ما خاطبه به موسى عليه السلام مشافهة وأن اللعين أخذ أولًا: في الطعن فيه وأن مثله ممن قرف برذائل الأخلاق لا يرشح لمنصب عال فضلًا عما ادعاه؛ وثانيًا: في السؤال عن شأن من ادعى الرسالة عنه استهزاء، ومن هذا تبين أن سبق المقاولة لا يدل على اختلال النظم الذي أشار إليه انتهى.
وجوز بعضهم وقوع الأمر مرتين وأن فرعون سأل أولًا بقوله: {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى موسى} [طه: 49] وسأل ثانيًا بقوله: {وَمَا رَبُّ العالمين} وقد قص الله تعالى الأول فيما أنزل جل وعلا أولًا وهو سورة طه والثاني فيما أنزله سبحانه ثانيًا وهو سورة الشعراء، فقد روي عن ابن عباس أن سورة طه نزلت ثم الواقعة ثم طسم الشعراء، وقال آخر: يحتمل أنهما إنما قالا: {إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} [الشعراء: 16] والاقتصار في سورة طه على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، وعلى القول بوقوع الأمر مرتين قيل: إن فرعون سأل في المرأة الأولى بقوله: {مِنْ رَبّكُمَا} [الشعراء: 49] طلبًا للوصف المشخص كما يقتضيه ظاهر الجواب خلافًا للسكاكي في دعواه أنه سؤال عن الجنس كأنه قال: أبشر هو أم ملك أم جني؟ والجواب من الأسلوب الحكيم وأخرى بما رب العالمين طلبًا للماهية والحقيقة انتقالًا لما هو أصعب ليتوصل بذلك إلى بعض أغراضه الفاسدة حسا قص الله تعالى بعد، و{مَا} يسئل بها عن الحقيقة مطلقًا سواء كان المسؤول عن حقيقته من أولي العلم أولًا فلا يتوهم أن حق الكلام حينئذٍ أن يقال من رب العالمين؟ حتى يوجه بأنه لإنكار اللعين له عز وجل عبر ا، ولما كان السؤال عن الحقيقة مما لا يليق بجنابه جل وعلا.


{قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)}
{قَالَ} عليه السلام عادلًا عن جوابه إلى ذكر صفاته عز وجل على نهج الأسلوب الحكيم إشارة إلى تعذر بيان الحقيقة {رَبّ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا} والكلام في امتناع معرفة الحقيقة وعدمه قد مر عليك فتذكر، ورفع {رَبّ} على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات والأرض وما بينهما من العناصر والعنصريات {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم موقنين بالأشياء محققين لها علمتم ذلك أو إن كنتم موقنين بشيء من الأشياء فهذا أولى بالإيقان لظهوره وإنارة دليله فإن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أحوالها فلها مبدأ واجب لذاته ثم ذلك المبدأ لابد أن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال، وجواب أن محذوف كما أشرنا إليه.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11